عندما يتكلم الكرسي باسم الدين؟؟؟

عندما يتكلم الكرسي باسم الدين

********

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رَحْمة للعالَمِين، نبيِّنا محمَّد - صلى الله عليه وآله أجمعين.

أما بعد:

من سنن الله تعالى الجارية دوام الصراع بين الحق والباطل، وملازمة أهل الباطل صورًا من الكيد والمكر والعنت، لأهل الإيمان والحق، كما قال تعالى: "وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [البقرة: 217].

وهذا ليس بغريب ولا عجيب على أحد، لا قدرًا ولا شرعًا، لكن العجيب حقًا أن يتولى اليوم في تلك الأحداث المتتالية، خاصة بعد وقوع عدد من الثورات على المناصب والكراسي الطامعة في أقوات الشعوب، والناهبة لثرواتها، وقد ثبت هذا الأمر بوضوح جدًا، بعد انكشاف المخفي من أعمالهم، والمكنون من أسرارهم، وإن كانت لا تخفى على عاقل بصير.

العجيب هنا، أن يقف بعض هؤلاء، أمام أناس نحسبهم على خير، ونحسبهم سلكوا الطريق الصحيح إلى الإسلام، وغلب عليهم اسم زمانهم "السلفية" أو "السلفيين"، متابعة منهم لمنهج الإسلام الصحيح، ما وافق ذلك منهج الإسلام أيام السلف الصالح السابقين، الذين هم خير هذه الأمة بشهادة الله تعالى، وشهادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما قال تعالى: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" [التوبة: 100].

وكما جاء في الحديث الصحيح، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" متفق عليه.

لكن الأعجب من هذا، أن يتولى زمام التصعيد في وجه السلفيين أقوام نظنهم من أهل الخير والعلم والصلاح، أناس لبسوا لنا عباءة الإسلام والعلم، وهذا لا غبار عليه، إنما الغبار بحق، أن يتجاهل هؤلاء العلماء مع حقيقة السلف والسلفية تجاهلًا مقيتًا، إلى حد أن يرموا أتباع هذا المنهج بالسفه والجهل، وتخريب الوطن، والتشدد والتنطع، وكأن هؤلاء ليس لهم عالم، ولا يحملون شهادات زعموا، وكأنهم سقطوا فلتة من كوكب المريخ أو زحل، وكأنهم ليسوا من أهل البلد، وكأنهم، متأخرون رجعيون زعموا، وليت شعري، أي افتراء على الدين وأتباعه بعد هذا؟

وهنا يأتي لنا سياق الحديث النبوي، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء". رواه مسلم.

وهذا الواقع المشاهد فعلًا في القرون المتأخرة، خاصة بعد سقوط الخلافة الإسلامية، وانبعاث حملات التغريب والتضليل للشعوب المسلمة، باسم الثقافة والفن والأدب، وانسياق الكثير، ممن لم يتعرفوا على حقائق الإسلام الصافية، وهنا يؤكد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الإسلام بشرائعه ستعود، لكن عودًا غريبًا، عودًا لا يقبله المجتمع وإن كان مسلمًا في الجملة، لأن أهل الحق مهما كثروا، فهم قلة في ميادين وأمم أهل الباطل والضلال.

والذي يؤسفنا حقًا كما ذكرت، أن يساهم بعض العلماء الرسميين من منصب شيخ الأزهر والأوقاف، والمفتي، وغيرهم، شن الحرب على السلفيين، باسم التشدد الكاذب، وهذا له محل من الحوار، حتى أن بعضهم دفع بالأمريكان إلى الحديث عنهم وبقوة سافرة، حتى لا يتمكنوا من صعود المنابر ثانية، وليت شعري هل هؤلاء قرأوا تاريخ الإسلام العظيم، وهل علموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يمتلك في أول دعوته الشريفة المباركة، منبرًا، ولا شبكة معلومات دولية، و قناة فضائية، ولا إذاعة صوتية، لكن الله نشر دينه كل الآفاق، وعم خيره أرجاء الأرض.

أما علموا شيئًا من ذلك، ليتجاهلوا حقائق الإسلام الصافية النقية، ويحاربوا الساعين لكل خير لبلادهم وأوطانهم.

إننا لا نحزن إطلاقًا من وقوع هذه الإيذاءات لأنها سنة جارية، لكننا نحزن عندما تقع من أناس، يتكلمون باسم الكرسي، وباسم الدين معًا، وهنا تكون الكارثة.

فأين هم من المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في بلادهم؟ وأين هم من المطالبة بغلق بيوت الدعارة والخمر، وأين هم من المطالبة بغلق البنوك الربوية؟

أيهما أولى بالحرب المزعومة؟ وأيهما أرضى عند الله تعالى ورسوله؟


وكتبه
عاطف الفيومي - باحث إسلامي
بريد: sheikhatef@maktoob.com